mercredi 28 octobre 2009



الحاج عبد السلام فرانكو



عثرنا، في حيّ عين خباز، على مسكن في جوار بستان. حجرة واحدة ومرحاض خارج الحجرة. عادت أمي تبيع الخضر والفواكه في حيّ "الطرانكات". أبي يستلذ البطالة في ساحة "الفدان" مع المغاربة معطوبي الحرب الأهلية الاسبانية. كان بعضهم يفخر بها لأنها أتاحت له أن يغامر وأن تكون له ذكريات عن المعارك التي خاضها منتصراً او مهزوماً. وكان الكاوديو يُسمّى بينهم الحاج فرانكو.


محمد شكري


الخبز الحافي



ذات يوم من يوليوز 1936 ارتفعت حناجر الضباط الاسبان المتحلقين حول مأدبة غداء ، بمنطقة كتامة بالريف، بصوت واحد " cafe..cafe " لحظتها تساءل الجنرال مانويل روميراليس كانتيرو، القائد العام لمليلية، عن سبب طلب هؤلاء الشباب القهوة قبل الانتهاء من الأكل، دون أن يخطر بباله أن غذاءه هذا هو الأخير،إذ ستتم تصفيته مباشرة بعد الانقلاب . فلم تكن القهوة غير اختصار لشعار: رفاق كتائب اسبانيا.. ( camarades Falangistas de España ).


ففي 17 يوليوز 1936 سوف يقلب الجنرال الأصغر ضمن الجيش الأفريقاني الطاولة على الحكومة الجمهورية، ائتلاف من الشيوعيين والفوضويين والاشتراكيين.." الكفار الملحدين الذين لاإله لهم" حسب فرانكو، وسيقود أول عملية إنزال لقوات محمولة جوا في التاريخ؛ بدعم من هتلر وموسوليني، ويعلن نفسه الكاوديو- الزعيم المهاب، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الحكومة المسؤول أمام الله وأمام التاريخ، و الذي تتجسم فيه كل القيم وكل الشرف خاصة شرف الحركة، حركة كتائب الفلانخي الفاشية .



الجهاد في سبيل الله


أسند فرانكو إلى المفوض السامي، ومندوب شؤون الأهالي بالمغرب الكولونيل خوان بيكبيدير، الذي سيصبح في 1939 وزير خارجيته، مهمة الدعاية للنظام الجديد، اعتمد فيها على نسج الحكايات والأهازيج وبناء المساجد ودعم الزوايا وتوزيع الأكباش وتنظيم بعثات الحج، فكان بيكبيدير لا يفوت فرصة لقاء أو خطبة ليحث المغاربة على الالتحاق بصفوف " الثوار" مؤكدا على "الأخوة الإسلامية الاسبانية" التي يرعاها الأب الحنون فرانكو، و يشنع، بالمقابل، بهمجية الحمر الشيوعيين أعداء الإسلام والمسيحية. وفي هذا الإطار حرصت مندوبية شؤون الأهالي بتطوان بأمر خاص من فرانكو، على تنظيم عدة رحلات للحج. وفي إحدى هذه الرحلات استقبل فرانكو وفد الحجاج الذين عرجت بهم البارجة الألمانية إلى اشبيلية عبر الوادي الكبير خصيصا لملاقاته؛ بعدما لم يتمكنوا من لقاء الدوتشي. فخلال عودتهم بنابولي، وضعت السلطات الايطالية قطارا رهن إشارة الحجاج لنقلهم إلى روما. وأسفوا لعدم تمكنهم من مقابلة موسوليني الذي كان متواجدا في تلك الفترة بليبيا، لأنهم كانوا يريدون أن " يعربوا له عن شكرهم وتقديرهم " وكذلك لفرانكو عن امتنانهم بهذه العملية لأنه " أحاطهم بعطفه الأبوي " تقول ماريا روسا دي مادريارغا؛ في كتابها مغاربة في خدمة فرانكو. وبهذه المناسبة خطب فرانكو في وفد الحجاج قائلا " لقد كانت اسبانيا والإسلام، الشعوب الأكثر تفاهما دائما وأبدا. وفي الفترة العالمية الحالية، ظهر عدو ضد الإنسانية وضد كل المؤمنين الذين لهم عقيدة، يجب عليهم أن يتحدوا لمواجهة هذا الخطر...هذا هو جوهر الإسلام " وتورد ماريا روسا دي مادريارغا عن "إلرادو دي موريكوس" أنه في 22 يناير 1939 كتب أحد الحجاج خلال توقفهم بطرابلس رسالة إلى أحد أصدقائه يعبر له فيها عن " شكرهم وامتنانهم العميق لفرانكو وكيف أن كل الحجاج على متن الباخرة يرفعون أكف الضراعة داعين بالنصر لفرانكو حامي الإسلام وصديق المسلمين" بل من ضمن هذه الوفود من كان يقسم أنه رأى فرانكو يؤدي مناسك الحج، يضيف ابن عزوز حكيم . ومازال عدد من قدماء المحاربين في شمال المغرب، إلى اليوم، لا يذكرون فرانكو إلا مقرونا بالحاج عبد السلام.


الله يْنصر مْـن صْـبَح


لقد استطاع فرانكو بهذه السياسة أن يضمن صمت ثم مساندة الجبهة المغربية، حيث سيكون 800 ألف "مورو" حسب المؤرخ الاسباني فبرال ساليناس؛ في طليعة مقاتليه ضد الجمهوريين.. فحتى أولائك الجنود الذين واجهوه بضراوة أثناء حرب الريف " تركوا دواويرهم.. حقولهم الجميلة المزهرة.. خيلهم القوية.. حينما جاؤوا مع فرانكو للجهاد في سبيل الله " يقول القديس بالاندرون س.خ في قصيدة الموريتو( تصغير المورو) نقلتها كنزة الغالي في ترجمتها لكتاب مغاربة في خدمة فرانكو.


فبالاضافة إلى عاملي الفقر والمجاعة التي ضربت منطقة الريف بداية الثلاثينيات كانت سياسة فرانكو الدعائية والإغرائية حافزا لعدد من الأبواق المغربية لكراء حناجرها للجنرال فرانكو " كان بيكبيدير مكلفا بالسياسة الأهلية.. وكان يوحي لشيوخ الطرقية بأن فرانكو قد أسلم سنة 1936، بل إن منهم من كان يذهب إلى أن فرانكو من أصول عربية.. وأنه سيرجع الأندلس للمسلمين" يؤكد المؤرخ ابن عزوز حكيم. وإلى يومنا هذا يتغنى الريفيون في أعراسهم بأغنية " مساجد الأندلس مملوءة بالكتب ..ها قد جاء فرانكو ليخرجها/ أبواب الأندلس مغلقة فرانكو سيفتحها " يقول محمد المرابطي الباحث في تاريخ الريف. وفي هذا السياق كان الفقيه التطواني محمد التزكاني يجوب الدواوير متأبطا عتاده من الفتاوى والمسوغات الدينية للمشاركة في الجهاد إلى جانب فرانكو المؤمن؛ لقطع دابر الروخو الكافر ( الروخو تعني الأحمر بالاسبانية والمقصود الشيوعيين). " ففي هذه الحرب جندت السلطات الأسبانية آلاف المغاربة ضمنهم حوالي تسعة آلاف طفل من قبائل فرخانة، بني نصار و بني شيكر المجاورة لمليلية؛ تقل أعمارهم عن إثنا عشرة سنة شكلوا طابورا مقاتلا ضد الجمهوريين، وتُعرف تلك القصة لدى الريفيين باسم " طابور للا ّ يمّا، وهي كلمة بالأمازيغية الريفية تقال منين كتوقع شي كارثة عظمى.. فالريفيين كانو كيغوتو منين بداو كينزعو منهم ولادهم: للا ّ يمّا ..للا ّ يمّا " يقول عبد السلام بوطيب رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، ثم يضيف " الريف تقريبًا خوا من الرجال، فذاك الوقت .. حتى أن الفقيه التزكاني أفتى فالعيد الكبير لواحد المرأة ريفية باش تذبح الأضحية بنفسها، شريطة أن تكون محملة بطفل ذكر على ظهرها. وهذه الفتوى معروفة في حوليات الحرب الأهلية بالريف "


أما رجالات الحركة الوطنية، الذين قرروا، في البداية، الوقوف على الحياد من هذه الحرب، بمنطق غير المغاربة يقتلون غير المغاربة فما دخل المغاربة، فسرعان ما سينقلبون لتأييد " بطل الثورة " ضد الشيوعيين. كتب عبد الخالق الطريس في جريدة الحرية عدد 26/3/1939، مبررا قتال المغاربة إلى جانب فرانكو" دفع المغاربة إلى الكفاح الخوف من مس عواطفهم الدينية إذا استفحل أمر الشيوعية وطغى على هذه البلاد.. لأن المسلمين بطبيعة أحوالهم أعداء ألذاء لفكرة التساوي في الثروة "


زعما هادوك الدراري الصغار للي خطفوهم من واليديهم وداوهم للحرب.. ودوك جبالة وريافة للي تايقين بأن فرانكو دخل للإسلام؛ ما كانش عندهم مع المادية الدياليكتيكية وديكتاتورية البروليتاريا !!









فرانكو صديق العرب



سعى الجنرال فرانكو؛ منذ وصوله إلى المغرب لإقامة علاقة متميزة بالمغاربة، فقد سكن حين حل بتطوان بحي المنجرة الشعبي بالسويقة، ما مكنه من الاحتكاك بالناس ومعرفتهم عن قرب؛ حسب بن عزوز حكيم. كما جعلته شخصيته المحافظة محط تقدير المغاربة " .. عمرو مامشى مع صحابو الضباط لشي بار أولشي بورديل" يقول محمد العربي المساري.. وفي بداية حكمه عين فرانكو قنصلا مغربيا بمدينة جدة هو محمد أنقار لما للسعودية من رمزية لدى المسلمين . وفي سنة 1938 كتب فرانكو رسالة إلى عبد الحميد سعيد رئيس الشبان المسلمين في مصر؛ على هامش انعقاد مؤتمر بالقاهرة لصالح القضية المغربية، قال فيه " .. روحانية الشعوب أمام مادية الذهب اليهودي المفسدة " في إشارة ذكية لتطلع الحركة الصهيونية إلى أرض عربية.


لقد مكنت هذه العلاقة المتميزة مع العرب المنطقة الشمالية من أن تكون ممثلة بالجامعة العربية من خلال اللجنة الثقافية، رغم أن ميثاق الجامعة لم يكن يقبل في حظيرته إلا الدول المستقلة.. "وفي الخمسينات اتجه فرانكو صراحة نحو الصداقة مع العرب، ومرة أخرى كان شمال المغرب الذي هو تحت الحكم الإسباني جسر التواصل والتعاون. وكان موقفه الرافض لنفي محمد الخامس من لدن فرنسا الورقة البارزة التي توطدت بها الصداقة مع العالم العربي، في وقت كانت الأصوات العربية القليلة في الأمم المتحدة هي الوحيدة، مع قلة من دول أميركا اللاتينية، إلى جانب نظام فرانكو المعزول عالميا، من لدن الغرب والشرق معا " يضيف المساري.









حرس المورو

La guardia mora

هذا هو الاسم الشعبي الذي حمله الجنود المغاربة الذين كلفوا بحراسة فرانكو، الذي لم يكن يثق في أبناء جلدته، إذ منذ بداية الحرب الأهلية وجه الطابور الثاني من الجيش النظامي " الريكولاريس " إلى مليلية ، بينما تم تكليف فرقة الخيالة منهم بحراسة الجنرال فرانكو. وفي فبراير 1937 أصبحت الفرقة المغربية، التي تميزت بلباس الرزة والسلهام والسروال القندريسي، تداوم على حراسة الجنرال. ومع نهاية الحرب الأهلية أعيد تنظيم الحرس الفرانكاوي من طرف الكتائبيين " الفلانخي " بحيث أصبح مكونا من الحرس المدني، ومن الجنود المغاربة. كما تم تدريب وحدة من المشاة ومجموعة من الرماة أصبحت تحيط بسيارة فرانكو خلال الاستعراضات واللقاءات الرسمية.

وقد تم الاستغناء عن الكوارديا مورا عقب انتهاء حرب سيدي ايفني التي وقعت بين نوفمبر 1957 و مارس 1958، وتم تعويضه بفرقة من الرماة تابعة للحرس الخاص بالجنرال، مشابهة في مظهرها للحرس المغربي.





السي عبد السلام الكباص


كان الكولونيل فيرناندو أوزفالدو كاباص، قائد قسم التدخلات العسكرية، و نائب الأمور الوطنية.. يتمتع بعطف كبير من طرف المغاربة فاعتقد العديد أنه " مسلم في الخفاء " يصفه أمين الريحاني بأنه كان مؤمنا بنظرية ليوطي في التواصل والتعايش. كان يحفظ عددا من الآيات والأحاديث النبوية، يستعملها في حديثه مع محاوريه من المغاربة، و كان يجيد التحدث باللهجة الجبلية الغمارية، لذلك أطلقوا عليه اسم السي عبد السلام الكباص .. كما كان هناك من يرجع نسبه إلى عائلة الكباص المعروفة – كتاب الحاج عبد السلام بنونة، أب الحركة الوطنية - وأنه عاش طفولته في اسبانيا واعتنق المسيحية. ترك كاباص يوميات مهمة ودقيقة عن المرحلة التي قضاها بتطوان، كتب في مقدمتها: " المغربي يحب الحرية لأنه كائن مستقل، وشجاعته تجعله لا يتردد لحظة واحدة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن استقلاله وحريته والمحافظة عليهما، وهو كذلك محافظ على عاداته وتقاليده لدرجة أنه يؤثرها على دينه "


شارك كاباص في اجتماع كتامة الذي تقرر فيه الانقلاب على الحكومة الجمهورية، وللتمويه سافر إلى مدريد قبيل الانقلاب، حيث فطن الجمهوريون لأمره وأعدموه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire